التفسير الطبي لقصة أصحاب الكهف



لقد فصل الله عز وجل أحوال أصحاب الكهف في 18آية قرآنية كريمة (من اﻵية 9 إلى اﻵية 26) والتي تتألف من 336 كلمة. وكما هو معلوم فإن ما ورد في القرآن الحكيم غاية في اﻹعجاز كذلك غاية في اﻹيجاز ، وهكذا نجد في هذه القصة أن الباري عز وجل أراد بهذا التفصيل في شرح احوالهم أن يرشدنا نحن اﻷطباء في هذا الوقت من خلال هذه اﻹشارات المباشرة وغير المباشرة في قصتهم إلى طريقة جديدة للترقيد قد تكون مشابهة لحالة نومهم من خلال اﻹفادة من التقنيات الحديثة في هذا العصر. حيث نعتقد أن حالة أهل الكهف في نومهم قد كانت وفق أسلوب علمي كما يعني إمكانية تقليدها من قبل ذوي اﻹختصاص،ومما يؤيد هذا التوجه قوله تعالى:( أم حسبتم أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا) (الكهف / 9) وذلك في استفهام انكاري معناه أن أمرهم لم يكن عجبا!!.
وقد ذكر ابن كثير في تفسيره لهذه اﻵية ما نصه :(أي ليس أمرهم عجيبا في قدرتنا وسلطاننا فإن خلق السماوات واﻷرض واختلاف الليل والنهار وتسخير القمر والكواكب وغيرذلك من اﻵيات العظيمة الدالة على قدرة الله تعالى وأنه على ما يشاء قادر ولا يعجزه شيئ أعجب من أخبار أصحاب الكهف).
وفي ذلك إثارة ضمنية على أن طريقة نومهم هي من آيات الله الباهرة وحالها حال باقي آيات الله في الكون واﻹنسان، ولم تكن معجزة خارقة كما هو الحال في معجزات اﻷنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام ، خاصة أن أصحاب الكهف كانوا فتية من أتباع سيدنا عيسى عليه السلام المؤمنين الموحدين وقد أيدهم الله وحفظهم بهذه الرعاية الربانية والكرامات اﻹلهية وسخر من أجلهم النواميس واﻵيات الكونية لحفظهم وحمايتهم ورعايتهم علما بأنهم ما كانوا أنبياء أو مرسلين بل مؤمنين صالحين!.
أهم اﻹشارات الطبية المستنبطة من القصة:
وسأذكر أهم اﻹشارات الطبية المستفادة من اﻷحوال التي حدثت لهم وصولا إلى الطريقة المستنبطة  للتنويم والترقيد العميقين التي حفظهم الله بها.
1.تعطيل حاسة السمع:لقد اقتضت حكمة الله في حالة نوم أهل الكهف أن يتوقف عندهم عمل حاسة السمع خاصة وأن الصوت الخارجي عامل منبه يوقظ النائم وإلى ذلك أشار قوله تعالى:(فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عددا) (الكهف/11). والضرب هنا لغة: بمعنى التعطيل والمنع أي عطلنا حاسة السمع عندهم مؤقتا ومبدؤها في اﻷذن كما ترتبط بالفرع السمعي من العصب القحفي الثامن(cochlear nerve). وتتميز حاسة السمع في اﻷذن بكونها الحاسة الوحيدة من بين الحواس اﻷخرى التي تعمل بصورة مستمرة في كافة اﻷحوال وفي النوم كما في اليقظة، وتربط اﻹنسان بمحيطه الخارجي.
2.تعطيل الجهاز الكنشط الشبكي:(Ascending Reticular Activating System): إن هذا النظام الحيوي والضروري للحياة الموجود في جذع الدماغ Brain Stem يحافظ على حال اليقظة والوعي استجابة للمحفزات الخارجية والداخلية. ويرتبط هذا النظام بصورة رئيسية بالفرع التوازني من العصب القحفي الثامن (vestibular nerve). كمنبه ومنظم له ولذلك قال الباري عز وجل قال:(فضربنا على آذانهم) ولم يقل :(فضربنا على سمعهم)!أي أن التعطيل حصل للفرعين معا (السمعي والتوازني).
3.المحافظة على أجسامهم وحمايتها داخليا وخارجيا بأسباب منها:
أ-التقليب المستمر لهم أثناء نومهم:وذلك في قوله تعالى:(وتحسبهم أيقاظا وهم رقود ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال) (الكهف/18). لئلاتأكل اﻷرض اجسادهم بحدوث تقرحات الفراش في جلودهم والجلطات في اﻷوعية الدموية والرئتين أو إصابتهم بذات الرئة الفصي وغير ذلك من اﻷمراض.
Bed sores, Deep Venous Thromboses, Pulmonary Embolism and Hypostatic Pneumonia.
ب-تعرض أجسامهم مع فناء الكهف لضياء الشمس: وذلك بصورة متوازنة ومعتدلة على مدار فصول السنة منعا من حصول الرطوبة والتعفن داخل الكهف في حالة كونه معتما وذلك في قوله تعالى:(وترى الشمس إذا طلعت تتزاور عن كهفهم ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال) (الكهف /17).
ج-وجود فتحة في سقف الكهف: وذلك من الجهة الشمالية تصل فناءه بالخارج بنفق هوائي رأسي يساعد على تعريض الكهف إلى جو مثالي من التهوية وتبديل هوائه بصورة مستمرة واﻹضاءة عن طريق تلك الفتحة مع وجود الفجوة (وهي المتسع من المكان) في الكهف التي ذكرها القرآن في قوله تعالى:(وهم في فجوة منه ذلك من آيات الله من يهد الله فهو المهتدي ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا) (الكهف/17). مما جعل هذا المكان مناسبا لمعيشتهم.
د-الحماية الخارجية: وذلك بإلقاء الرهبة عليهم وجعلهم في حالة غريبة جدا وغير مألوفة، لا هم بالموتى ولا باﻷحياء ولا بالنيام نوما طبيعيا (إذا رآهم الناظركاﻷيقاظ يتقلبون ولا يستيقظون) بحيث إن من يطلع عليهم يهرب هلعا من مشهدهم الغريب وكان لوجود الكلب في فناء الكهف دور في حمايتهم (كأنه يحرسهم) في قوله تعالى:(وكلبهم باسط ذراعيه في الوصيد لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا ولملئت منهم رعبا) (الكهف /18).
ه-حمايته تعالى ﻷعينهم: وذلك لقوله تعالى: (وتحسبهم أيقاظا وهم رقود) (الكهف/18).
4.الكلب حيوان تجريبي:لقد دخل الكلب في حالة النوم التي جرت على أصحاب الكهف وقد يكون في ذلك إشارة إلى صلاحيته ﻹجراء التجارب العلمية عليه كنموذج تجريبي في حالة القيام بأبحاث طبية مستقبلا وذلك ﻷن جهازه العصبي هو أقرب إلى الجهاز العصبي لﻹنسان من أي حيوان آخر! كالتجارب على الجهاز المنشط الشبكي في الدماغ المسؤول عن تنشيط الوظائف الحيوية ومنها الوعي واليقظة بواسطة تثبيت عمله باستعمال التقنيات الحديثة من خلال تعطيل العصب القحفي الثامن بفرعيه السمعي و التوازني علما بأن ذكر الكلب لم يرد في اﻷخبار التي وردت قبل اﻹسلام بخصوص قصة أصحاب الكهف وقد تفرد القرآن الكريم بذكرت كمعلومة أصيلة مع أن عدم ذكره لا يؤثر في سياق القصة وأحداثها!!.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

طاقتك وقدرتك

الاسلام وحقائق الوراثة والحمض النووي

الوباء بين حقائق العلم ووحي السماء