حياة خديجة المؤمنة

《خديجة المؤمنة》:
ثلاث نسوة بارزات في حياة الرسل الثلاثة أصحاب الديانات الأخيرة الكبرة: أسية إمرأة فرعون في حياة موسى ، ومريم إبنة عمران في حياة عيسى ، وخديجة في حياة محمد عليه السلام ، كل واحدة منهن كلفت نبيا مرسلا قبل بعثته ، أحسنت الصحبة في كفالته، وصدقت به بعد رسالته ، لهذا جمع الرسول بين هؤلاء الكوامل في عقد واحد فقال :《وأسية إمرأة فرعون ، وخديجة بنت خويلد》:
وإذا كان بعض الحكماء يقول 《إن وراء الرجل العظيم إمرأة تشد أزره . أما كانت  أو زوجا 》فقد كانت خديجة المرأة التي وراء محمد عليه السلام .
أعانته في الجاهلية على حياته الطاهرة النقية البعيدة عن الأوثان والخمر والميسر واللغو والشهوات ،وكانت له ظهيرا في حياة التجرد والتأمل والبعد عن صخب الناس وضوضاء الحياة.
كانت تهيئ له الزاد كل عام ليقضى شهر رمضان في غار حراء ، ولو كان الأمر لعاطفتها المجردة ما رضيت كامرأة  ،أن يغيب ليلة واحدة ،فكيف بالليالي ذوات العدد؟
ولكنها تحس أن زوجها رجل. غير الرجال ، وأن له شأنا أي شأن ، فلتكن عونه على مثله الرفيعة ،وقيمه العليا ، وقد كانت تصحبه أو تزوره أحيانا في هذا الغار وتبقى معه أياما وليالي تؤنسه وترعاه ،ومن طواعيتها له قبل البعثة ومسارعتها في هواه أنها رأت مليه إلى زيد بن حارثة بعد أن صار في ملكها فوهبته له ،فكانت هي السبب فيما إمتاز به زيد من السبق إلى الإسلام .
هذه خديجة في الجاهلية ، وأما بعد الرسالة ، فاستمع إلى عائشة تروى موقفها من الرسول حينما تلقى أول شحنة من وحى السماء في غار حراء ، وغطه جبريل حتى بلغ منه الجهد ، فعاد إلى خديجة ترجف بوادره يقول : زملوني زملوني ،لقد خشيت على نفسي ......
ولم تكن خديجة ممن يطير لبها فزعا ، ولم يكن هذا الطارئ العجيب الغريب ليذهلها عن سداد الرأي ، ومنطق الحكمة ، لقد عرفت بنور بصيرتها وسلامة نظرتها سنة الله في معاملة عباده فقالت لزوجها في ثقة ويقين : كلا والله لا يخزيك الله أبدا ، إنك لتصل الرحم ، وتحمل الكل ، وتكسب المعدوم ، وتصدق الحديث ، وتقرى الضيف ، وتعين على نوائب الدهر.
وفي رواية قالت له : أبشر وأثبت يابن عم ، فوالدي نفس خديجة بيدة إني لأرجو أن تكون نبي هذه الأمة  .
ولم تكتف بالقول ، بل صحبته إلى إبن عمها ورقة بن نوفل .. وقد كان إمرءا تنصر في الجاهلية ، وعرف العبرانية ، وكتب بها من الإنجيل ما شاء الله أن يكتب - فقالت خديجة : أي إبن عم ، إسمع من إبن أخيك ، فقال له ورقة : يابن أخي ما ترى ؟ فأخبره رسول الله خبر ما رأى .
فقالت له ورقة : هذا الناموس الذي أنزله الله على موسى .
وهكذا كانت خديجة ملاك الرحمة ، والمرفأ الأمين والملاذ المكين لمحمد عليه السلام.
وكانت أنسه إذا إستوحش ، وكنزه إذا إحتاج ، وأمله إذا إستيأس ، وطمأنينته إذا إضطربت من حوله الحياة.
قال إبن إسحاق : كانت خديجة أول من أمن بالله ورسوله ، وصدق بما جاء به ، فخفف الله بذلك عن نبيه ، فكان لا يسمع شيئا يكرهه ، من الرد عليه ، والتكذيب له ، فيحزنه ذلك ، إلا فرج الله عنه بها إذا رجع إليها ، تثبته وتخفف عنه ، وتهون عليه أمر الناس .
شاطرته متاعب الدعوة ، والأم الرسالة راضية مغتبطة ، دخل الشعب فدخلت معه ، وذاقت مرارة الحرمان وعضة الجوع ، وهي ذات المال الوفير وربيبة الرفاهية والنعيم ، فلا عجب أن يحمل إليها أمين الوحي السلام من فوق سبع سموات ،
روى البخاري عن أبي هريرة قال :《أتى جبريل إلى رسول الله عليه السلام فقال : يارسول الله ، هذه خديجة قد أتت معها إناء فيه الطعام ، فإذا هي أتتك فاقرأ عليه السلام من ربها ..ومنى ، وبشرها يبيب في الجنة من قصب  لا صخب فيه ولا نصب 》
قال السهيلي : إنما كان البيت بهذا الوصف ، لانها لم ترفع على النبي عليه السلام ولم تتبعه يوما من الذهر ولم تصخب عليه مرة ولا أذته أبدا .....
                  》أخوكم يوسف 》

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

طاقتك وقدرتك

الاسلام وحقائق الوراثة والحمض النووي

الوباء بين حقائق العلم ووحي السماء